تخصيص جائزة إبداعية للمرأة يثير الخلاف بين المثقفين والمثقفات

أعلن نادي القصيم الأدبي عن تخصيص جائزة سنوية لابداعات المرأة ما أثار ردود أفعال متباينة في الساحتين الثقافية المحلية، إذ رأى فيها البعض تجنيساً أدبياً، ورأى فيها البعض تشجيعاً للإبداع النسوي، وتحفيزاً للمرأة السعودية على الإبداع، بينما رأى آخرون أن تكريم المبدع يكون على أساس المنتج لا على جنسه .. فحول تخصيص نادي القصيم الأدبي جائزة للإبداع النسوي كان لـ "الجسر الثقافي" الاستطلاع التالي:
مواكبة عالمية
 في البداية يتحدث الروائي عبدالحليم البراك أمين عام جائزة التميز النسائي وعضو مجلس إدارة نادي القصيم الأدبي عن الجائزة قائلا : تعد جائزة التميز النسائي نواة تعاون جديد بين نادي القصيم الأدبي وبنك الرياض، حيث إن الأول يعتبر مؤسسة ثقافية تعمل على نشر الثقافة والمساهمة فيها بالمملكة في ظل القيم والتقاليد السعودية الرصينة.
 بينما يعد الأخير إحدى مؤسسات القطاع الخاص الأكثر مساهمة في خدمة المجتمع من خلال بوابته الثقافية.
تعنى الجائزة بخدمة فرعين هامين، الأول: إنتاج المرأة من دراسات ثقافية تخدم المرأة وقضاياها وحقوقها، والثاني: ما تسطره المرأة من نصوص أو أعمال إبداعية.
ويهدف النادي، والممول - على حد سواء - إلى دعم المرأة المبدعة والمنتجة، وتكريمها لمساهمتها الثقافية في المجتمع، تحفيز المرأة على مزيد من الإنتاج والإبداع في ظل أجواء تنافسية محمومة بالمتميز من إنتاجها.
وتخصيص النادي والبنك جائزة للمرأة وحدها دون الرجل، هو مواكبة عالمية لدعم إنتاجها في سباقها الماراثوني مع الرجل، لتحتل المكانة التي تليق بها، وليس عزلاً لها، بل تقوية لحثها على المزيد من الإنتاج، بعيدا عن منافسة غير متوازنة مع الرجل.
ويضيف البراك : إننا نهنئ الثقافة السعودية بهذه الجائزة النوعية التي أخذت على عاتقها أن تساهم في تعزيز إنتاج نصف المجتمع الآخر.
 التجنيس الأدبي
وترى د. هيفاء الجهني المشرفة التربوية في قسم اللغة العربية بإدارة تعليم مكة أن الجائزة تحفز إبداع المرأة، حيت تعلق بقولها: الجوائز تمنح لإثراء الساحة وللتحفيز على صقل المواهب لاستجلاب العطاءات المتميزة، وهذا لا فرق فيه بين الرجل والمرأة.
 فالإبداع الأجمل يفرض خلوده، لكن تخصيص جائرة سنوية للمرأة لفتة مسايرة لفكرة التجنيس الأدبي التي هي ليست وليدة اليوم.
 فالدراسات اتجهت لتناول أدب المرأة بدراسات مستقلة ولا غضاضة في ذلك ولا خوف من أن يطغى أدب جنس على الجنس الآخر.
وسيظل البقاء والديمومة في الأعمال الإبداعية للأفضل بغض النظر عن المبدع سواء كان ذكرا أو أنثى، فالأجود هو ما سيخلد.
وتخصيص جائزة للمرأة تشجيعا لها على الحضور وتحفيزا واستنطاقا لطاقاتها الإبداعية لا سيما أن المرأة في مجتمعنا لديها من الاهتمامات الأسرية ما يشغلها، ويستحوذ على جل وقتها، وهي بحاجة لمحطات توقف تلتفت فيها إلى ما تملك من أفكار ورؤى ومشاعر تصبها في قالب أدبي، وتحظى بالمنافسة في الجوائز .
جائزة نسائية
وتلخص الناقدة تركية الثبيتي رأيها حول هذا الموضوع بقولها: مشكلة التجنيس لم تبدأ من عند أدبي القصيم فهو عُرف عام وتقليد قضى به هذا البلد بحكم القبيلة التي كانت تقيم أحكامها على شرع وضعت حدوده وأطره متناسية شرع الله.
فالله سبحانه وتعالى في كل صور العبادة قرن الجنسين معاً: "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" والآيات في ذلك كثيرة.
عندما نزل الدين نزل ليشمل الجنسين ونزل قرآن واحد لكليهما ولم ينزل قرآن خاص بالرجال وآخر خاص بالنساء !
حتى أن النساء في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) قلن له على لسان أم سلمة: مال الرجال يذكرون في القرآن ولا نذكر، فنزل قوله تعالى: "إن المسلمين والمسلمات .. " استجابة لتساؤلهن بالفعل المؤكد أنهما على حد سواء.
 لكن الفهم الخاطئ للدين في الفصل بين الجنسين في بعض المواقف أوقعنا في مغبة مازلنا ندفع ثمنها حتى مع الفعل التنويري الذي يَجُدّ في محاولة إعادة الأمور إلى نصابها الذي أظنه سيقطع شوطاً طويلاً قبل أن يصل! وتخصيص جائزة نسائية لا يرمي إلى إكرامهاً إنما للإمعان في إضعاف قيمتها.
أعتقد أن المثقفات بأيديهن وأد هذه المسابقة كما بأيديهن أن تحيا، وأعتقد أن هناك من سيعاضد هذه الفكرة باعتبار توجهه المغالي وهم يظنون أنهم يحسنون عملاً.
قيمة كبيرة
وترى زينب الهذال - كاتبة - أن هذه الجائزة من الممكن ألا تكون نمطية، فتقول:
 يفترض أن تكريم المبدعين يتم على أساس نتاجهم الأدبي دون اعتبار للجنس، لكن قد يكون انحصار الحضور الكثيف والمشاركات على الذكور قد حدا بالنادي لإعلان هذه الجائزة لفتح فرصة أكبر لظهور المرأة وبروز نتاجها بعيداً عن مزاحمة زملائها وشركائها في الإبداع.
 وقد يكون هذا مأخذا على الجائزة، إذ يُخشى أن يحصر المرأة ضمن تصنيف معين قد ينتقص من إبداعها.
 ممكن أن تبقى الجائزة قائمة ومتميزة إذا كان التميز فيها يحتسب بمعيار مدى قدرة هذا النتاج الناعم على تقديم دعم حقيقي للمرأة في المجتمع سواء على مستوى التشريعات والحقوق والتغيير الإيجابي، وهنا تكون هذه الجائزة قيمة كبيرة ولا تُجَنِس الأدب بالصورة النمطية التي يخشى منها.
خطوة أولى
وتؤيد القاصة شيمة الشمري موضوع تخصيص جائزة نسوية، فتقول: كالعادة نحن نهول الأمور ونتمادى في النقاشات العقيمة حول أي أمر مستجد أو خطوة ما حتى قبل أن تخرج للنور ؛ لنرى مالها وما عليها.
التكريم والجائزة اهتمام منهم ويشكرون عليه بغض النظر لرجل كانت أو لامرأة،  ونعم الإبداع للإبداع وليس للجنس، لكن لا أرى مشكلة في كون الجائزة خصصت للمرأة المبدعة.
كوني أنثى شيء أفخر به ولي حقوق أطالب بها لكن دون افتعال وفي كل مناسبة، يتراءى لي أنه من شدة العزل والتوتر في مجتمعنا بتنا نتحسس حتى من الحقيقة!
هي تقدير منهم وحتى لو كان البعض يراها (كوتة) فمرحبا بالكوتة؛ ولنعتبرها خطوة أولى تتلوها خطوات، ولعلنا في مقبل الأيام نتخلص من الكوتة والوجود الكومبارسي.
 مأزق ثقافي
أما كاظم الخليفة فيرى أن تجنيس الجائزة مأزق ثقافي، حيث يعلق: من الطبيعي أن تُمنح المرأة جائزة خاصة عن الأمومة مثلاً، لكن عندما يتم فرز الجوائز الإبداعية والأدبية وتوزيعها بنظام "الكوتة" أو الحصص تبعاً للجنس أو الجندر، فنحن أمام مأزق ثقافي تتلاشى فيه قيمة هذه الجوائز من الناحية الإبداعية، وتسلط الضوء على واقع الحرية الثقافية المسموح بها للمرأة بما يشبه "الحرملك الثقافي".
أما إذا كان العذر من تقديمها باعتبارها عامل تحفيز واستهدافا لشريحة من المجتمع ودفعها نحو المشاركة الثقافية، ففي اعتقادي أن هذا التبرير له ما يدعمه من واقع المرأة الثقافي في ستينيات القرن الماضي وليس في زمن الثقافة المعولمة وتنافس الحضارات.
الإناث فقط
ولم يقبل فاضل عمران بإقصاء الرجل عن الجائزة، حيث يقول: طالما أن المنشأة غير مقتصرة على النساء، وأن الصنف الإبداعي موضع التنافس أيضا غير مقتصر على النساء فلا أجد مبررا لإقصاء الرجل.
بل إن الواقع أثبت أن وجود رجال ونساء في أي حالة يشعل التنافس بينهم ويرفع من جودة المنتج.
وللمرأة حقها في أن تكرم بجوائز خاصة بها في المجالات التي تقتصر على الإناث فقط، أو المؤسسات النسوية الخاصة.
البحث والدراسات
وتؤيد أسماء العبودي فكرة الجائزة، حيث تنطلق رؤاها من زاوية مغايرة، فتقول :" لا أجد في تخصيص جائزة سنوية للتميز النسائي نوعاً من التجنيس الأدبي.
 فالجائزة مخصصة للمرأة الباحثة وللمرأة المبدعة وأجد في هذا تحفيزاً للمرأة السعودية ودفعها للعمل، ودعمها النشاط الإبداعي في المجالات الأدبية.
مازلنا في مجتمع يهمش ويقصي المرأة إلا قليلا عن المشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية.
 ومازالت المرأة في المجتمع تحتاج إلى مزيد من الدعم في كل قضاياها، وأعتقد أن التمييز أمر نعيشه كنساء ليس في مجتمعنا فحسب، بل في كل المجتمعات العربية والعالمية.
فالنساء يشكلن نسبة 39% من مجموع أعضاء النقابات في العالم، غير أنهن لا يمثلن سوى 1 % من أعضاء الهيئات المقررة في النقابات.
وفي مجتمعنا مازالت المرأة لا تملك حقوقا كثيرة وتعاني منذ عقود التسويف في حقوقها الشرعية والقانونية.
وظهور مثل هذه الجوائز سيعتبر تحفيزا للشابات ودعما لهن في مجال البحث والدراسات والإبداع الأدبي ودعما للنشر والإصدار .
 وتضيف العبودي: الإبداع لا جنس له، والعقل البشري لا نوع له، والمرأة حين تمنح الفرصة فهي تنتج فكرا متألقا، وما يجعلها تتنحى أو تتأخر عن المشاركة والإنتاج الإبداعي هو أنها غير مفرغة لهذا كالرجل.
 فمازالت المسئوليات الاجتماعية والإرث الثقافي يحاصرها كونها امرأة ولا تزال المعوقات تكبل أقدامها.
 وللأسف هناك من يحاربها حين تتجه للإبداع، ولا يجب أن نغفل معاناتها من  صراع الأدوار في مجتمع لا يعترف كثيرا بذاتها الإنسانية، وحين يخصص نادي القصيم جائزته لتميز المرأة يدفع المرأة أكثر للإبداع لا أقل ولا أكثر.
 وتعقب العبودي: أنا مع أي أمر يخصص لدعم المرأة، ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، وأعتقد أن تخصيص جائزة لتميز المرأة لم تكن الأولى من نوعها.
 هناك العشرات من الجوائز العالمية والعربية مخصصة للمرأة، هناك جائزة المرأة العربية، جائزة المعرض العالمي لاختراعات المرأة، جائزة مهرجان لافيم  لسينما المرأة، وجائزة مؤسسة القمة للمرأة وتمنح للنساء القادرات على تحسين جودة الحياة، وتقام مؤتمرات دولية خاصة بالمرأة، وهناك أيضا مؤتمرات عربية ودولية  مثل مؤتمر المرأة والإبداع .. الخ.
أعتقد حين يكون هناك تخصيص جوائز مستقلة لها، ففي ذلك نوع من التمييز الإيجابي للمرأة، وهذا معروف عالميا بالكوتة النسائية، وأنا أرحب به كثيرا طالما مازالت المرأة مقصاة ومهمشة في حصولها على مناصب ثقافية وسياسية أو مناصب لصنع القرار .
تقدير المرأة
 ويؤيد ياسر آل غريب تخصيص الجائزة، حيث يقول: شخصيا .. أرى ألا يكون أدب المرأة بمعزل عن الحياة الأدبية العامة، فهي جزء منه وفاعليته مرتبطة بما يملكه كل من المرأة والرجل من طاقة ثقافية تتجاوز المكان والزمان.  فالجوائز الأدبية ينبغي أن تكون مشتركة حتى نستطيع أن نقيس مدى المشاركات من الجنسين ونقاط التميز عند الجميع.
أما أن تخصص جائزة للمرأة فربما كان هذا الأمر ليس من زاوية اجتماعية، إنما لضمان سهولة التنسيق لهذه الفعالية، وربما يحمل في طياته نية حسنة وهي تقدير المرأة.
 ويبقى هذا الأمر قابلا للنقاش، لكن على أية حال، المرأة السعودية انطلقت في مجال الأدب والثقافة رغم أعباء كثيرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتاب القدر .. لمحبي الأكشن هذه الرواية تخصهم بإمتياز

أبناء القمر ..